فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



المسألة الثالثة:
قرىء {يَمْشُونَ} على البناء للمفعول أي تمشيهم حوائجهم أو الناس، ولو قرىء {يَمْشُونَ} لكان أوجه لولا الرواية.
أما قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
فيه أقوال: أحدها: أن هذا في رؤساء المشركين وفقراء الصحابة، فإذا رأى الشريف الوضيع قد أسلم قبله أنف أن يسلم فأقام على كفره لئلا يكون للوضيع السابقة والفضل عليه، ودليله قوله تعالى: {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11] وهذا قول الكلبي والفراء والزجاج.
وثانيها: أن هذا عام في جميع الناس، روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ويل للعالم من الجاهل، وويل للسلطان من الرعية، وويل للرعية من السلطان، وويل للمالك من المملوك، وويل للشديد من الضعيف، وللضعيف من الشديد، بعضهم لبعض فتنة» وقرأ هذه الآية.
وثالثها: أن هذا في أصحاب البلاء والعافية، هذا يقول لم لم أجعل مثله في الخلق والخلق وفي العقل وفي العلم وفي الرزق وفي الأجل؟ وهذا قول ابن عباس والحسن ورابعها: هذا احتجاج عليهم في تخصيص محمد بالرسالة مع مساواته إياهم في البشرية وصفاتها، فابتلى المرسلين بالمرسل إليهم وأنواع أذاهم على ما قال: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا} [آل عمران: 186] والمرسل إليهم يتأذون أيضًا من المرسل بسبب الحسد وصيرورته مكلفًا بالخدمة وبذل النفس والمال بعد أن كان رئيسًا مخدومًا، والأولى حمل الآية على الكل لأن بين الجميع قدرًا مشتركًا.
المسألة الثانية:
قال أصحابنا الآية تدل على القضاء والقدر لأنه تعالى قال: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} قال الجبائي هذا الجعل هو بمعنى التعريف كما يقال فيمن سرق، إن فلانًا لص جعله لصًا، وهذا التأويل ضعيف لأنه تعالى أضاف الجعل إلى وصف كونه فتنة لا إلى الحكم بكونه كذلك، بل العقل يدل على أن المراد غير ما ذكره وذلك لأن فاعل السبب فاعل للمسبب، فمن خلقه الله تعالى على مزاج الصفراء والحرارة وخلق الغضب فيه ثم خلق فيه الإدراك الذي يطلعه على الشيء المغضب فمن فعل هذا المجموع كان هو الفاعل للغضب لا محالة، وكذا القول في الحسد وسائر الأخلاق والأفعال، وعند هذا يظهر أنه سبحانه هو الذي جعل البعض فتنة للبعض.
سلمنا أن المراد ما قاله الجبائي أن المراد من الجعل هو الحكم ولكن المجعول إن انقلب لزم انقلابه انقلاب حكم الله تعالى من الصدق إلى الكذب وذلك محال، فانقلاب ذلك الجعل محال، فانقلاب المجعول أيضًا محال، وعند ذلك يظهر القول بالقضاء والقدر.
المسألة الثالثة:
الوجه في تعلق هذه الآية بما قبلها أن القوم لما طعنوا في الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وبأنه فقير كانت هذه الكلمات جارية مجرى الخرافات، فإنه لما قامت الدلالة على النبوة لم يكن لشيء من هذه الأشياء أثر في القدح فيها، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأذى منهم من حيث إنهم كانوا يشتمونه، ومن حيث إنهم كانوا يذكرون الكلام المعوج الفاسد وما كانوا يفهمون الجواب الجيد، فلا جرم صبره الله تعالى على كل تلك الأذية، وبين أنه جعل الخلق بعضهم فتنة للبعض.
أما قوله تعالى: {أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
قالت المعتزلة لو كان المراد من قوله: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} الخبر لما ذكر عقيبه {أَتَصْبِرُونَ} لأن أمر العاجز غير جائز.
المسألة الثانية:
المعنى أتصبرون على البلاء فقد علمتم ما وعد الله الصابرين {وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} أي هو العالم بمن يصبر ومن لا يصبر، فيجازي كلًا منهم بما يستحقه من ثواب وعقاب.
المسألة الثالثة:
قوله: {أَتَصْبِرُونَ} استفهام والمراد منه التقرير وموقعه بعد ذكر الفتنة موقع أيكم بعد الابتلاء في قوله: {لنبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُم}.
فيه قولان:
أحدهما أنه حَشْرُ الموت، قاله مجاهد.
الثاني: حشر البعث، قاله ابن عباس.
{وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} قاله مجاهد: هم عيسى وعزير والملائكة. {فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هؤُلاءِ} وهذا تقرير لإِكذاب من ادّعى ذلك عليهم وإن خرج مخرج الاستفهام.
وفيمن قال له ذلك القول قولان:
أحدهما أنه يقال هذا للملائكة، قاله الحسن.
الثاني: لعيسى وعزير والملائكة، قاله مجاهد.
{أَمْ هُمْ ضَلُّواْ السَّبِيلَ} أي أخطأوا قصد الحق بأجابوا بأن:
{قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَن نَتَّخذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ} فيه وجهان:
أحدهما ما كنا نواليهم على عبادتنا.
الثاني: ما كنا نتخذهم لنا أولياء.
{وَلكن مَّتَّعْنَهُمْ وَءَابَاءَهُمْ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: متعهم بالسلامة من العذاب، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: بطول العمر، حكاه النقاش.
الثالث: بالأموال والأولاد.
{حَتَّى نَسُواْ الذِكْر} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: حتى تركوا القرآن، قاله ابن زيد.
الثاني: حتى غفلوا عن الطاعة.
الثالث: حتى نسوا الإِحسان إليهم والإِنعام عليهم.
{وََكَانَوا قَوْمًا بُورًا} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يعني هلكى، قاله ابن عباس، مأخوذ من البوار وهو الهلاك.
الثاني: هم الذين لا خير فيهم، قاله الحسن مأخوذ من بوار الأرض وهو تعطلها من الزرع فلا يكون فيها خير.
الثالث: أن البوار الفساد، قاله شهر بن حوشب وقتادة، مأخوذ من قولهم بارت إذا كسدت كساد الفاسد ومنه الأثر المروي: نعوذ بالله من بوار الأيم، وقال عبد الله بن الزِبعرى:
يا رسول المليك إن لساني..... راتق ما فتقت إذ أنا بُور.
{فقد كذبوكُم بما تقولون} فيه قولان:
أحدهما: أن الملائكة والرسل قد كذبوا الكفار فيما يقولون أنهم اتخذوهم أولياء من دونه، قاله مجاهد.
الثاني: أن المشركين كذبوا المؤمنين فيما يقولونه من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن زيد.
{فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلاَ نَصْرًا} فيه أربعة أوجه:
أحدها: صرف العذاب عنهم ولا ينصرون أنفسهم، قاله ابن زيد.
الثاني: فما يستطيعون صرف الحجة عنهم ولا نصرًا على آلهتهم في تعذيبهم، قاله الكلبي.
الثالث: فما يستطيعون صرفك يا محمد عن الحق ولا نصر أنفسهم من عذاب التكذيب، حكاه عيسى.
الرابع: أن الصرف الحيلة حكاه ابن قتيبة والصرف الحيلة مأخوذ من قولهم إنه ليتصرف أي يحتال.
وأما قولهم لا يقبل منهم صرف ولا عَدْل ففيه وجهان:
أحدهما: أن الصرف: النافلة، والعَدل: الفريضة.
الثاني: أن الصرف: الدية، والعَدل: القود.
قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ}.
فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه افتتان الفقير بالغني أن يقول لو شاء الله لجعلني مثله غنيًا والأعمى بالبصير أن يقول لو شاء لجعلني مثله بصيرًا، والسقيم بالصحيح أن يقول لو شاء لجعلني مثله صحيحًا، قاله الحسن.
الثاني: فتنة بالعدوان في الدين، حكاه ابن عيسى.
الثالث: أن الفتنة صبر الأنبياء على تكذيب قومهم، قاله يحيى بن سلام.
الرابع: أنها نزلت حين أسلم أبو ذر الغفاري وعمار وصهيب وبلال وعامر بن فهيرة وسلام مولى أبي حذيفة وأمثالهم من الفقراء الموالي فقال المستهزئون من قريش: انظروا إلى أتباع محمد من فقرائنا وموالينا فنزلت فيهم الآية، حكاه النقاش.
وفي الفتنة هنا وجهان:
أحدهما: البلاء.
والثاني: الاختبار.
{أَتَصْبِرُونَ} يعني على ما مُحِنْتُمْ به من هذه الفتنة، وفيه اختصار وتقديره أم لا تصبرون.
{وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} قال ابن جريج: بصيرًا بما يصبر ممن يجزع.
ويحتمل وجهًا آخر: بصيرًا بالحكمة فيما جعل بعضكم لبعض فتنة. اهـ.